«نخفض لهما جناح الذل من الرحمة»
من أهم قيم الحضارة الإسلامية تأكيد مفهوم البر بالوالدين، ومراعاتهم في مختلف أطوار عمرهم، فمثلما بدأت الرسالة بتمجيد الحرف وتعميق معنى اقرأ، قامت بتلخيص معنى الوفاء والاحترام وتبجيل الوالدين، بعدم نهرهم، ولا القول لهم - ولو بأصغر كلمة- “أف” لأنهم حملوا الأبناء صغراً ووهناً، وشملوهم بعطفهم ورعايتهم، فكم أم صابرة أمضت حياتها، وتحملت أحمالاً وأثقالاً لكي يكبر الأبناء، ويصبحوا أفراداً مهمين في الحياة، وكم من أب خاض البحر، وتلظى بحروق وعطش الصحراء لكي يجلب اللقمة لأفواه الأبناء، ولكي يستر البنات.
هذه التضحيات الطويلة والكبيرة، أقل ما يقابلها من الأبناء اليوم مراعاتهم في مراحل حياتهم القصيرة، والباقية.
لقد بقي شيء من صفات المجتمع القديم والأصيل عندنا، هو إكرام الآباء والأمهات وكبار السن، فلا يليق بهم ونحن في بحبوحة من العيش الكريم ورفاهية الحياة، أن نزج بهم في مأوى العجزة، وبيوت كبار السن، فنقطعهم من الزيارة والوصل، وننفيهم مبكراً من حياتنا، ودفء مجتمعنا، فالقصص التي تتناقل عن الجيل الجديد، تشيب لها شعور الفتيان، من جحود ونكران للجميل، والسبب أنانية زوجة جديدة أو تبرئ ابن من والديه لأنه وصل إلى مركز اجتماعي عال - لم يكن ليصل إليه لولاهم- وما متطلباتهم اليوم وهم في أرذل العمر غير الرعاية الصحية، والنفسية، وقليل من المال لسد الحاجة، وعدم اللجوء للآخرين، وضرورة مد اليد، وهم ما اعتادوا إلا أن تكون أيديهم بيضاء، وعليا، وأن يمضوا أيامهم الأخيرة مع ضحكة أحفادهم وشقاوتهم.
إن ما قامت به الإمارات من خدمات جليلة لهذه الفئة، والتكفل برعايتهم، واحتضانهم، أمر جميل، وخيّر، وتذكير بقيم رسالة الإسلام وحضارته، وموروث مجتمعنا، وعاداتنا التي نتمنى ألا تغيب، أو نتخلى عنها في خضم التطور، وحركة النهضة الشاملة، فالإنسان مكرم في كافة مراحل عمره، والأجدر أن لا ننسى عرق وتعب الأولين، وما تحملوه من شظف العيش، وقساوة الحياة، وصبّر، ومرّ الأيام الخوالي.
ما ضرنا لو أن دموعنا سبقت دمعة الأم العزيزة! أو لم نر في عمرنا نظرة منكسرة من الأب الذي كان يعطي للبيت الكبير رائحته في حضوره أو غيابه! ما ضرنا لو أننا حملناهم على ظهورنا، قبل أن نحمل نعشهم لمثواهم الأخير! ما ضرنا لو أننا مازلنا نسمّعهم كلمة “لبّيك.. وفي عونك”! ما ضرنا لو أسكنّاهم مُقل العين، وحطّناهم بالجفن والهُدب! ما ضرنا لو تركنا ضحكاتهم تنير لنا طريقنا، وتعطي للخطوات بركة، وخيراً كثيراً!
ناصر الظاهري | amood8@yahoo.com